إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
  

10 ـ إبراهيم ـ عليه السلام ـ (القرن التاسع عشر قبل الميلاد)

نبي الله إبراهيم بن آزر، ـ عليه السلام ـ، ولم يذكر القرآن الكريم أعلي من هذا النسب، وإن كان الكتاب المقدس قد ذكر نسبه علي النحو التالي: تارح بن ناحور بن ساروغ بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن قينان بن أرفخشذ بن سام بن نوح. وسمي بشيخ الأنبياء، وأبي الأنبياء، لأن منه تناسل الأنبياء وتتابعوا، فهو عليه السلام والد إسحاق ويعقوب وإسماعيل ـ عليهم السلام ـ قال ـ تعالى ـ: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَءاتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ

. كما يُسمى "خليل الله"، لقوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً

.

ويعني اسم "إبراهيم"، في اللغة السريانية: "أبٌ رحيمٌ"، وفي العبرانية: "أبو جمهور أو عدد كبير".

اُختلف في مكان ولادته. فقيل: بابل (في العراق)، وقيل: السوس (من أرض الأهواز)، وقيل: حرّان (في تركيا)، وقيل غير ذلك. ويذكر أن قوم إبراهيم، خرجوا من قلب الجزيرة العربية التي نشأوا فيها جماعة من الجماعات السامية العديدة، وأنه ـ عليه السلام ـ كان عربياً من سلالة العرب العاربة التي يرجع نسبها إلي سام بن نوح عليه السلام، وأنه أبو العرب العاربة (العدنانية) أبناء ولده إسماعيل، وهو بهذا جد العرب قبل أن يكون جد الإسرائيليين.

أما زمن ميلاده فلا سبيل إلي القطع به، فقد قال بعض المؤرخين إنه وُلد بعد الطوفان بـ 1263 سنة، وبمقارنة التواريخ الواردة بسفر التكوين يتضح أنه ولد بعد نوح عليه السلام بـ 291 سنة، ولكن أكثر المؤرخين يقدرون أنه عاش بين عامي 2000 و 1700 قبل الميلاد. وقيل أنه تلقى الوحي الإلهي في أور الكلدانيين جنوب العراق، ومنها نزح إلي بلاد كنعان، نحو سنة 1800 قبل الميلاد. أنزل الله عليه الصُّحف.

كان إبراهيم ـ عليه السلام ـ يتكلم العربية القديمة التي هي قريبة من عربية جُرْهُم. وقد ثبت في صحيح البخاري أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ زار ولده إسماعيل مرتين لم يجده فيهما، وتكلم مع امرأتيه الجرهميتين العربيتين بلغتهما.

تقوم دعوة إبراهيم ـ عليه السلام ـ على التوحيد الخالص. ويذكر القرآن أربعة مواقف مشهودة له في الدعوة مع أبيه، ومع عبدة الأصنام، وعبدة الكواكب، ومع الملك النمرود.

أمّا دعوته لأبيه، فقد أورد القرآن الكريم، قصتها في سورة مريم: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لأبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا

.

أمّا دعوته لعبدة الأصنام، فقد بدأها بالحوار معهم، ليمهد للمرحلة التي تليه، وهي تكسير الأصنام: وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لأكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إلاّ كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ

.

أما دعوته لعبدة الكواكب، فقد أوردها القرآن في قالب قصصي مشوق، ذات تأثير نفسي، وهي موافقة الخصم، في الظاهر، من أجل إلزامه الحجة وإفحامه وإقناعه بالمنطق. يقول ـ تعالى ـ: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ

.

أمّا دعوته للملك النمرود، فجاء خبرها في سياق سورة البقرة في قوله ـ تعالى ـ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ ءَاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

.

ويذكر القرآن الكريم أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ هيّأ لإبراهيم مكان الكعبة، ومن ثَمّ، وضع إبراهيم وابنه إسماعيل أساس البيت. قال تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ

. ويقول ـ تعالى ـ: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ

.

وبعد الفراغ من بناء الكعبة، أمره الله ـ تعالى ـ أن يؤذن في الناس بالحج. قال تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ

.

ذُكرت لإبراهيم ـ عليه السلام ـ فضائل كثيرة في القرآن الكريم، منها أنّ الله ـ تعالى ـ اتخذه خليلاً، وجعله إماماً، واجتباه واصطفاه، وآتاه رشده، وجعل النبوة في ذريته، وأمر باتخاذ مقامه مصلّى. ومن فضائله اتصافه بالحلم والإنابة والصّديقية، والشكر، والقنوت وسلامة القلب والكرم والوفاء، وأنه كان وحده أمة من الناس، في الفضل والسموّ والخير.

ورد ذكر إبراهيم ـ عليه السلام ـ في القرآن (69) مرة في مواقف مختلفة، منها بناء الكعبة ورفع قواعدها، وقصته مع أبيه آزر، ومع الملك النمرود، وتحطيمه الأصنام، وإلقاؤه في النار، وموقفه مع ضيوفه من الملائكة المكرمين، فضلاً عن دينه وتوحيده، وخلقه وعلمه، وصفاته.

وأول آية ذكر فيها اسمه: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ

. وآخر آية ذُكر فيها اسمه: إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى

.

ابتلي إبراهيم ـ عليه السلام ـ بأعظم أنواع البلاء، فصبر. فمن ذلك، أنه عندما كان في مصر، أُخذت زوجته (سارة) إلى قصر فرعون، فادّعت أن إبراهيم أخوها حتى لا يقتل بسببها، ولم تكن في ذلك كاذبة؛ لأنها أخته في الدين. وما إن حاول فرعون مسّها، حتى شُلّت يده، ولكنها برئت بعد أن أخَلّى سبيلها. ومن المعجزات، التي اختصه الله بها، إلقاؤه في النار، ونجاته منها. قال تعالى: قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيم

. ومنها أمر الله له بذبح ولده إسماعيل، ثم افتداء إسماعيل بكبش عظيم، بعد أن اجتاز الوالد الكريم الامتحان بنجاح. قال ـ تعالى ـ: وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ

.

دُفن إبراهيم وولداه، إسحاق ويعقوب ـ عليهم السلام ـ، في بلدة حبرون، التي تُعرف، اليوم، بالخليل، في الضفة الغربية. ولا تزال قبورهم موجودة حتى الآن.